فصل: قال في روح البيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

في هذه الآية دليلان: أحدهما على تجنّب الألفاظ المحتملة التي فيهّا التعريض للتنقيص والغَضّ، ويخرج من هذا فهم القذف بالتعريض، وذلك يوجب الحدّ عندنا خلافًا لأبي حنيفة والشافعي وأصحابهما حين قالوا: التعريض محتمل للقذف وغيره، والحدّ مما يسقط بالشبهة.
وسيأتي في النور بيان هذا، إن شاء الله تعالى.
الدليل الثاني: التمسّك بسدّ الذرائع وحمايتها وهو مذهب مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل في رواية عنه؛ وقد دلّ على هذا الأصل الكتابُ والسُّنة.
والذَّرِيعة عبارةٌ عن أمر غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع.
أما الكتاب فهذه الآية، ووجه التمسك بها أن اليهود كانوا يقولون ذلك وهي سَبّ بلغتهم؛ فلما علم الله ذلك منهم منع من إطلاق ذلك اللفظ؛ لأنه ذريعة للسبّ، وقوله تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] فمنع مِن سبّ آلهتهم مخافةَ مقابلتهم بمثل ذلك، وقوله تعالى: {وَاسْئَلْهُمْ عَنِ القرية التي كَانَتْ حَاضِرَةَ البحر} [الأعراف: 163] الآية؛ فحرّم عليهم تبارك وتعالى الصيد في يوم السبت؛ فكانت الحِيتان تأتيهم يوم السبت شُرّعًا، أي ظاهرة، فسدّوا عليها يوم السبت وأخذوها يوم الأحد، وكان السّدّ ذَرِيعة للاصطياد؛ فمسخهم الله قِردة وخنازير؛ وذكر الله لنا ذلك في معنى التحذير عن ذلك؛ وقوله تعالى لآدم وحوّاء: {وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} [البقرة: 35] وقد تقدّم.
وأمّا السُّنة فأحاديث كثيرة ثابتة صحيحة، منها حديث عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهنّ ذكرتا كنيسة رأياها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنَوْا على قبره مسجدًا وصوّروا فيه تلك الصُّوَر أولئك شرار الخلق عند الله» أخرجه البخاري ومسلم.
قال علماؤنا: ففعل ذلك أوائلهم ليتأنّسوا برؤية تلك الصُّوَر ويتذكّروا أحوالهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم ويعبدون الله عز وجل عند قبورهم، فمضت لهم بذلك أزمان، ثم أنهم خَلَف من بعدهم خلوف جهلوا أغراضهم، ووسوس لهم الشيطان أن آباءكم وأجدادكم كانوا يعبدون هذه الصورة فعبدوها؛ فحذّر النبيّ صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك، وشدّد النكير والوعيد على من فعل ذلك، وسدّ الذرائع المؤدّية إلى ذلك فقال: «اشتدّ غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد» وقال: «اللَّهُمّ لا تجعل قبري وَثَنًا يُعبد» وروى مسلم عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الحلال بَيّن والحرام بَيْن وبينهما أمور متشابهات فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يَرْعَى حَوْل الحِمَى يوشِك أن يقع فيه» الحديث.
فمنع من الإقدام على الشبهات مخافة الوقوع في المحرّمات؛ وذلك سَدًّا للذريعة.
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يَدَعَ ما لا بأس به حذرًا مما به البأس» وقال صلى الله عليه وسلم: «إن من الكبائر شتم الرجل والديه» قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: «نعم يَسُبُّ أبا الرجل فيَسُبُّ أباه ويسبُّ أُمَّه فيسبُّ أمهّ» فجعل التعرّض لسب الآباء كسب الآباء.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا تبايعتم بالعِينَة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم ذُلًا لا ينزعه منكم حتى ترجعوا إلى دينكم» وقال أبو عبيد الهَرَوي: العِينَة هو أن يبيع الرجل من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مُسَمًّى، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به.
قال: فإن اشترى بحضرة طالب العِينة سلعة من آخر بثمن معلوم وقبضها ثم باعها من طالب العِينة بثمن أكثر مما اشتراه إلى أجل مسمًّى ثم باعها المشتري من البائع الأوّل بالنقد بأقل من الثمن فهذه أيضًا عِينة، وهي أهون من الأولى، وهو جائز عند بعضهم.
وسُمّيت عِينة لحصول النقد لصاحب العِينة؛ وذلك لأن العَيْن هو المال الحاضر والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعَيْن حاضر يصل إليه من فوره.
وروى ابن وهب عن مالك أن أمّ ولد لزيد بن الأَرْقَم ذكرت لعائشة رضي الله عنها أنها باعت من زيد عبدًا بثمانمائة إلى العطاء ثم ابتاعته منه بستمائة نقدًا؛ فقالت عائشة: بئس ما شَرَيتِ، وبئس ما اشتريت! أبلِغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يَتُب.
ومثل هذا لا يقال بالرأي؛ لأن إبطال الأعمال لا يتوصّل إلى معرفتها إلا بالوَحْي؛ فثبت أنه مرفوع إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دَعُوا الربا والرِّيبة.
ونهى ابن عباس رضي الله عنهما عن دراهم بدراهم بينهما حريزة.
قلت: فهذه هي الأدلة التي لنا على سدّ الذرائع، وعليه بنى المالكية كتاب الآجال وغيره من المسائل في البيوع وغيرها.
وليس عند الشافعية كتاب الآجال؛ لأن ذلك عندهم عقود مختلفة مستقلة، قالوا: وأصل الأشياء على الظواهر لا على الظنون.
والمالكية جعلوا السِّلعة محلّلة ليُتَوَصَل بها إلى دراهم بأكثر منها، وهذا هو الربا بعينه؛ فاعلمه. اهـ.

.قال في البحر المديد:

حسنُ الخطاب من تمام الآداب، وتمام الآداب هو السبب الموصل إلى عين الصواب، فمن لا أدب له لا تربية له، ومن لا تربية له لا سَيْر له، ومن لا سير له لا وصول له، فمن لا يتربى على أيدي الرجال لا يُربى الرجال، وقد قالوا: من أساء الأدب مع الأحباب طُرد إلى الباب، ومن أساء الأدب في الباب طرد إلى سياسة الدواب. وقالوا أيضًا: اجعل عملك ملحًا، وأدبك دقيقًا.
وقال آخر: إن الإنسان ليبلغ بالخلق وحسن الأدب إلى عظيم الدرجات وهو قليل العمل، ومن حرم الأدب حُرم الخيرَ كله، ومن أُعطي الأدب فقد مُكن من مفاتيح القلوب.
قال أبو عثمان رضي الله عنه: الأدب عند الأكابر وفي مجالس السادات من الأولياء يبلغ بصاحبه إلى الدرجات العلا والخير في الدنيا والعقبى.
وقال أبو حفص الحداد رضي الله عنه: التصوّف كله آداب، لكل وقت أدب، ولكل حال أدب، ولكل مقام أدب، فمن لازم الأدب بلغ مبلغ الرجال، ومن حرم الأدب فهو بعيد من حيث يظن القرب، مردود من حيث يرجوا الوصول.
وقال ذو النون المصري رضي الله عنه: إذا خرج المريد عن استعمال الأدب فإنه يرجع من حيث جاء. وقيل: من لم يتأدب لوقت فوقته مقت. وقيل: من حَبَسه النسب أطلقه الادب، ومن قل أدبه كثر شغبه. وقيل: الأدب سند الفقراء، وزينة الأغنياء. وبالله التوفيق. اهـ.

.قال في روح البيان:

وفي هذه الآية دليلان أحدهما على تجنب الألفاظ المحتملة التي فيها التعريض وأما قولهم لا بأس بالمعاريض وهو أن يتكلم لرجل بكلمة يظهر من نفسه شيئًا ومراده شيء آخر فإنما أرادوا ذلك إذا اضطر الإنسان إلى الكذب فأما إذا لم يكن حاجة ولا ضرورة فلا يجوز التعريض ولا التصريح جميعًا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» بأن لا يتعرض لهم بما حرم من دمائهم وأعراضهم وقدم اللسان في الذكر لأن التعرض به أسرع وقوعًا وأكثر وخص اليد بالذكر لأن معظم الأفعال يكون بها.
والثاني: التمسك بسد الذرائع وحمايتها والذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع.
ووجه التمسك بها أن اليهود كانوا يقولون ذلك وهي سب بلغتهم فلما علم الله تعالى ذلك منهم منع من إطلاق ذلك اللفظ لأنه ذريعة للسبّ قال تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوَا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] فمنع من سبع آلهتهم مخافة مقابلتهم بمثل ذلك وقال تعالى: {وَسْئلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ التي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف: 163] الآية فحرم الله عليهم الصيد في يوم السبت فكان الحيتان تأتيهم يوم السبت شرعًا أي: ظاهرة فسدوا عليها يوم السبت وأخذوها يوم الأحد وكان السد ذريعة للاصطياد فمسخهم الله قردة وخنازير.
وعن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال رسول الله عليه السلام: «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله».
قال العلماء: ففعل ذلك أوائلهم ليستأنسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم ويعبدوا الله عند قبورهم فمضت لهم بذلك أزمان ثم إنهم خلف من بعدهم خلف جهلوا أغراضهم ووسوس لهم الشيطان إن آباءكم وأجدادكم كانوا يعبدون هذه الصور فعبدوها فحذر النبي عليه الصلاة والسلام عن مثل ذلك وشدد النكير والوعيد على من فعل ذلك وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال عليه السلام: «اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد» وقال: «اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد» وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به البأس» وقال عليه السلام: «إن من الكبائر شتم الرجل والديه» قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه قال: «نعم يسبّ أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه» فجعل التعرض لسبِّ الآباء والأمهات كسَبِّ الآباء والأمهات وقال صلى الله عليه وسلم: «الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه» فمنع عليه السلام من الإقدام على الشبهات مخافة الوقوع في المحرمات وفي الحديث: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلًا لا ينزعه منكم حتى ترجعوا إلى دينكم» والعينة: هو أن يبيع رجل من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به وسميت عينة لحصول النقد لصاحب العينة وذلك أن العينة هو الحال الحاضر والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه من فوره وفي هذا الحديث ذم للزراع إذا كان زراعتهم ذريعة لترك الجهاد قال عليه الصلاة والسلام حين رأى آلة الحراثة في دار قوم: «ما دخل هذا بيت قوم إلا ذلوا» وذلك لأن الزراعة عمارة الدنيا وإعراض عن الجهاد فيستحق به الذل وعمارة الدنيا أصل في حق الكفار عارض في حق المسلمين فإن المسلمين يجعلونها وسيلة إلى الآخرة وأما الكفار فيعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن آخرتهم غافلون وقد قال عليه السلام: «الدنيا سجن المؤمن» أي: بالنسبة إلى ما أعد له من ثواب النعيم «وجنة الكافر» أي: بالإضافة إلى ما هيئ له من عذاب الآخرة والقطعية والهجران. اهـ.

.فصل: في حكم من سب النبي صلى الله عليه وسلم:

ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في كتابه الصارم المسلول عن ابن المنذر قوله:
أجمع عوام أهل العلم على أن من سب الرسول صلى الله عليه وسلم القتل، وممن قاله مالك والليث وأحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي، قال وحكي عن النعمان لا يقتل من سبه من أهل الذمة، وهذا لفظ دليل على وجوب قتله عند العامة وهذا مذهب مالك وأصحابه وسائر فقهاء المدينة وكلام أصحابه يقتضي أن لقتله مأخذين:
أحدهما: انتقاض عهده.
والثاني: أنه حد من الحدود وهو قول فقهاء الحديث قال إسحاق بن راهويه: إن أظهروا سب رسول الله فسمع منهم ذلك أو تحقق عليهم قتلوا، وأخطأ هؤلاء الذين قالوا إن ما هم فيه من الشرك أعظم من سب رسول الله.
قال إسحاق: يقتلون لأن ذلك نقض العهد، وكذلك فعل عمر بن عبد العزيز ولا شبهة في ذلك لأنه يصير في ذلك ناقضًا للصلح، وهو كما قتل ابن عمر الراهب الذي سب النبي وقال: ما على هذا صالحناهم.
ثم نقل عن أبي المواهب قوله: يجب لقذف النبي الحد المغلظ وهو القتل تاب أو لم يتب ذميًا كان أو مسلمًا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)}.
قصودُ الأعداء في جميع أَحوالهم- من أعمالهم وأقوالهم- قصودٌ خبيثة؛ فهم- على مناهجهم- يبنون فيما يأتون ويَذَرُون. فسبيلُ الأولياء التَّحرزُ عن مشابهتهم. والأخذ في طريق غير طريقهم. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا}.
اختلف الأصوليون في صيغة افعل هل هو من قسم المركب أو من قسم المفرد؟ حكاه الأنباري في شرح المحصول.
وقال صاحب الجمل: واللّفظ المركب إن دلّ بالقصد الأول على طلب الفعل كان مع الاستعلاء أمرا ومع الخضوع سؤالا ومع التساوي التماسا وإلا كان تنبيها إن لم يحتمل الصدق والكذب، وإن احتملهما كان خبرا وقضية جعلها من قسم المركب، فهل الآية حجة لأحد المذهبين أم لا؟ من ناحية أن القول إنما يحكى به الجمل لا المفردات؟ قال: لا دليل فيها لأن {رَاعِنَا} قد اتّصل به ضمير المفعول فهو مركب هنا بلا شك.
وقرئ {رَاعِنًا} بالتنوين على أنه نعت لمصدر محذوف أي قولا راعِنا.
فعلى هذا المراد بذلك نفس القول وعلى القراءة الأخرى المقول له. اهـ.